فصل: تفسير الآية رقم (1)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


الْقَوْلُ فِي تَفْسِيرِ السُّورَةِ الَّتِي يَذْكُرُ فِيهَا النِّسَاءَ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ رَبِّ يَسِّرِ

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

الْقَوْلَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ‏}‏، احْذَرُوا، أَيُّهَا النَّاسُ، رَبَّكُمْ فِي أَنَّ تُخَالِفُوهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَفِيمَا نَهَاكُمْ، فَيَحِلُّ بِكُمْ مِنْ عُقُوبَتِهِ مَا لَا قِبَلَ لَكَُمْ بِهِ‏.‏

ثُمَّ وَصَفَ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ الْمُتَوَحِّدُ بِخَلْقِ جَمِيعِ الْأَنَامِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ، مُعَرِّفًا عِبَادَهُ كَيْفَ كَانَ مُبْتَدَأُ إِنْشَائِهِ ذَلِكَ مِنَ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ، وَمُنَبِّهَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ جَمِيعَهُمْ بَنُو رَجُلٍ وَاحِدٍ وَأُمٍّ وَاحِدَةٍ وَأَنَّ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَأَنَّ حَقَّ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَاجِبٌ وُجُوبَحَقِّ الْأَخِ عَلَى أَخِيهِ، لِاجْتِمَاعِهِمْ فِي النَّسَبِ إِلَى أَبٍ وَاحِدٍ وَأُمٍّ وَاحِدَةٍ وَأَنَّ الَّذِي يَلْزَمُهُمْ مِنْ رِعَايَةِ بَعْضِهِمْ حَقَّ بَعْضٍ، وَإِنْ بَعُدَ التَّلَاقِي فِي النَّسَبِ إِلَى الْأَبِ الْجَامِعِ بَيْنَهُمْ، مِثْلَ الَّذِي يَلْزَمُهُمْ مِنْ ذَلِكَ فِي النَّسَبِ الْأَدْنَى وَعَاطِفًا بِذَلِكَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، لِيَتَنَاصَفُوا وَلَا يَتَظَالَمُوا، وَلِيَبْذُلَ الْقَوِيُّ مِنْ نَفْسِهِ لِلضَّعِيفِ حَقَّهُ بِالْمَعْرُوفِ عَلَى مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ لَهُ، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ مِنْ آدَمَ، كَمَا‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ أَمَّا ‏{‏خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ‏}‏، فَمِنْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏يَا ‏{‏أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ‏}‏، يَعْنِي آدَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ‏.‏

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ آدَمَ‏.‏

وَنَظِيرُ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ‏}‏، وَالْمَعْنِيُّ بِهِ رَجُلٌ، قَوْلُ الشَّاعِرِ‏.‏

أَبُـوكَ خَلِيفَـةٌ وَلدَتْـهُ أُخْـرَى *** وَأَنْتَ خَلِيفَـةٌ، ذَاكَ الكَمَـالُ

فَقَالَ، ‏"‏وَلَدَتْهُ أُخْرَى‏"‏، وَهُوَ يُرِيدُ ‏"‏الرَّجُلَ ‏"‏، فَأُنِّثَ لِلَفْظِ ‏"‏الْخَلِيفَةِ ‏"‏‏.‏ وَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏"‏مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ‏"‏لِتَأْنِيثِ ‏"‏النَّفْسِ‏"‏، وَالْمَعْنَى‏:‏ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ‏.‏ وَلَوْ قِيلَ‏:‏ ‏"‏مِنْ نَفْسٍ وَاحِدٍ‏"‏، وَأُخْرِجَ اللَّفْظُ عَلَى التَّذْكِيرِ لِلْمَعْنَى، كَانَ صَوَابًا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏{‏وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا‏}‏، وَخَلَقَ مِنَ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ زَوْجَهَا يَعْنِي بـ ‏"‏الزَّوْجِ‏"‏، الثَّانِي لَهَا‏.‏ وَهُوَ فِيمَا قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، امْرَأَتَهَاحَوَّاءَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا‏}‏، قَالَ‏:‏ حَوَّاءُ، مِنْ قُصَيْرِيِّ آدَمَ وَهُوَ نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظَ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏أَثًّا‏"‏ بِالنَّبَطِيَّةِ، امْرَأَةً‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا‏}‏، يَعْنِيحَوَّاءَ، خُلِقَتْ مِنْ آدَمَ، مِنْ ضِلَعٍ مِنْ أَضْلَاعِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ‏:‏ أُسْكِنَ آدَمُ الْجَنَّةَ، فَكَانَ يَمْشِي فِيهَا وَحْشًا لَيْسَ لَهُ زَوْجٌ يَسْكُنُ إِلَيْهَا‏.‏ فَنَامَ نَوْمَةً، فَاسْتَيْقَظَ، فَإِذَا عِنْدَ رَأْسِهِ امْرَأَةٌ قَاعِدَةٌ، خَلَقَهَا اللَّهُ مِنْ ضِلْعِهِ، فَسَأَلَهَا مَا أَنْتِ‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ امْرَأَةٌ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلِمَ خُلِقْتِ‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ لِتَسْكُنَ إِلَيَّ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ أُلْقِيَ عَلَى آدَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّنَةُ-فِيمَا بَلَغَنَا عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَغَيْرِهِ- ثُمَّ أَخَذَ ضِلَعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ، مِنْ شِقِّهِ الْأَيْسَرِ، وَلَأَمَ مَكَانَهُ، وَآدَمُ نَائِمٌ لَمْ يَهُبَّ مِنْ نَوْمَتِهِ، حَتَّى خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ ضِلَعِهِ تِلْكَ زَوْجَتَهُحَوَّاءَ، فَسَوَّاهَا امْرَأَةً لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا، فَلَمَّا كُشِفَتْ عَنْهُ السِّنَةُ وَهَبَّ مِنْ نَوْمَتِهِ، رَآهَا إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَ-فِيمَا يَزْعُمُونَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ-‏:‏ لَحْمِي وَدَمِي وَزَوْجَتِي‏!‏ فَسَكَنَ إِلَيْهَا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا‏}‏‏.‏ جَعَلَ مِنْ آدَمَ حَوَّاءَ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَبَثَ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً‏}‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ وَنَشَرَ مِنْهُمَا، يَعْنِي مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ ‏{‏رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً‏}‏، قَدْ رَآهُمْ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْقَارِعَةِ‏:‏ 4‏]‏‏.‏

يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏بَثَّ اللَّهُ الْخَلْقَ، وَأَبَثَّهُمْ‏"‏‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً‏}‏، وَبَثَّ، خَلَقَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ‏{‏وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ‏.‏

فَقَرَأَهُ عَامَّةُ ْقَرَأَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ‏:‏ ‏"‏تَسَّاءَلونَ ‏"‏بِالتَّشْدِيدِ، بِمَعْنَى‏:‏ تَتَسَاءَلُونَ، ثُمَّ أُدْغِمَ إِحْدَى ‏"‏التَّاءَيْن‏"‏ فِي ‏"‏السِّينِ ‏"‏، فَجَعَلَهُمَا ‏"‏سِينًا ‏"‏ مُشَدَّدَةً‏.‏

وَقَرَأَهُ بَعْضُ ْقَرَأَةِ الْكُوفَةِ‏:‏ ‏"‏تَسَاءَلُونَ ‏"‏، بِالتَّخْفِيفِ، عَلَى مِثَالِ ‏"‏تَفَاعَلُونَ‏"‏، وَهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، وَلُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ أَعْنِي التَّخْفِيفَ وَالتَّشْدِيدَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏تَسَاءَلُونَ بِهِ ‏"‏ وَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئُ أَصَابَ الصَّوَابَ فِيهِ‏.‏ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ، بِأَيِّ وَجْهَيْهِ قُرِئَ، غَيْرُ مُخْتَلِفٍ‏.‏

وَأَمَّا تَأْوِيلُهُ‏:‏ وَاتَّقَوْا اللَّهَ، أَيُّهَا النَّاسُ، الَّذِي إِذَا سَأَلَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا سَأَلَ بِهِ، فَقَالَ السَّائِلُ لِلْمَسْئُولِ‏:‏ ‏"‏أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ، وَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، وَأَعْزِمُ عَلَيْكَ بِاللَّهِ ‏"‏، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ‏.‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَكَمَا تُعَظِّمُونَ، أَيُّهَا النَّاسُ، رَبَّكُمْ بِأَلْسِنَتِكُمْ حَتَّى تَرَوْا أَنَّ مَنْ أَعْطَاكُمْ عَهْدَهُ فَأَخْفَرَكُمُوهُ، فَقَدْ أَتَى عَظِيمًا‏.‏ فَكَذَلِكَ فَعَظَّمُوهُ بِطَاعَتِكُمْ إِيَّاهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ، وَاجْتِنَابِكُمْ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ، وَاحْذَرُوا عِقَابَهُ مِنْ مُخَالَفَتِكُمْ إِيَّاهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ أَوْ نَهَاكُمْ عَنْهُ، كَمَا‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ‏}‏، قَالَ يَقُولُ‏:‏ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تُعَاقِدُونَ وَتُعَاهِدُونَ بِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي بِهِ تُعَاقِدُونَ وَتُعَاهِدُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ مِثْلُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ تَسَاءَلُونَ بِهِ ‏"‏، قَالَ‏:‏ تُعَاطِفُونَ بِهِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏وَالْأَرْحَامَ ‏"‏، فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ‏.‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِذَا سَأَلْتُمْ بَيْنَكُمْ قَالَ السَّائِلُ لِلْمَسْئُولِ‏:‏ ‏"‏أَسْأَلُكَ بِهِ وَبِالرَّحِمِ

ذِكْرُ مِنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ ‏{‏وَاتَّقَوْا اللَّهَ الَّذِي تُسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تُعَاطِفُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ الرَّجُلُ يَسْأَلُ بِاللَّهِ وَبِالرَّحِمِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ هُوَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ‏:‏ ‏"‏أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ، أَسْأَلُكَ بِالرَّحِمِ ‏"‏، يَعْنِي قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تُسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ‏}‏، قَالَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ وَبِالرَّحِمِ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ هُوَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ‏:‏ ‏"‏أَسْأَلُكَ بِالرَّحِمِ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تُسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ‏}‏، قَالَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ وَبِالرَّحِمِ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا الْحِمَانِي قَالَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ مَنْصُورٍ-أَوْ مُغِيرَةَ- عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ‏}‏، قَالَ‏:‏ هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ‏:‏ ‏"‏أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ وَالرَّحِمِ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ‏:‏ ‏"‏أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ وَالرَّحِمِ‏"‏‏.‏

قَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُ بَعْضِ مَنْ قَرَأَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏وَالْأَرْحَام‏"‏ بِالْخَفْضِ عَطْفًا بـ ‏"‏الْأَرْحَامِ‏"‏، عَلَى ‏"‏الْهَاءِ‏"‏ الَّتِي فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏بِهِ‏"‏، كَأَنَّهُ أَرَادَ‏:‏ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَبِالْأَرْحَامِ فَعَطَفَ بِظَاهِرٍ عَلَى مَكْنِيٍّ مَخْفُوضٍ‏.‏ وَذَلِكَ غَيْرُ فَصِيحٍ مِنَ الْكَلَامِ عِنْدَ الْعَرَبِ، لِأَنَّهَا لَا تَنْسُقُ بِظَاهِرٍ عَلَى مَكْنِيٍّ فِي الْخَفْضِ، إِلَّا فِي ضَرُورَةِ شِعْرٍ، وَذَلِكَ لِضِيقِ الشِّعْرِ‏.‏ وَأَمَّا الْكَلَامُ، فَلَا شَيْءَ يَضْطَرُّ الْمُتَكَلِّمَ إِلَى اخْتِيَارِ الْمَكْرُوهِ مِنَ الْمَنْطِقِ، وَالرَّدِيءِ فِي الْإِعْرَابِ مِنْهُ‏.‏ وَمِمَّا جَاءَ فِي الشِّعْرِ مِنْ رَدِ ظَاهِرٍ عَلَى مَكْنِيٍّ فِي حَالِ الْخَفْضِ، قَوْلُ الشَّاعِرِ‏:‏

نُعَلِّـقُ فِـي مِثْـلِ السَّـوَارِي سُـيُوفَنَا *** وَمَـا بَيْنَهَـا والكَـعْبِ غُـوطٌ نَفَـانِفُ

فَعَطَفَ بـ ‏"‏الْكَعْبَ ‏"‏وَهُوَ ظَاهِرٌ، عَلَى ‏"‏الْهَاءِ وَالْأَلِف‏"‏ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏بَيْنَهَا ‏"‏ وَهِيَ مُكَنِّيَةٌ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ تَأْوِيلُ ذَلِكَ‏:‏ ‏"‏وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ، وَاتَّقُوا الْأَرْحَامَ أَنْ تَقْطَعُوهَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ اتَّقُوا اللَّهَ، وَاتَّقُوا الْأَرْحَامَ لَا تَقْطَعُوهَا‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا‏}‏، ذَكَرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ‏:‏ ‏(‏اتَّقُوا اللَّهَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، فَإِنَّهُ أَبْقَى لَكَُمْ فِي الدُّنْيَا، وَخَيْرٌ لَكَُمْ فِي الْآخِرَة‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ، وَاتَّقُوا اللَّهَ فِي الْأَرْحَامِ فَصِلُوهَا‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ‏}‏، قَالَ‏:‏ اتَّقُوا الَّذِي تُسَاءَلُونَ بِهِ، وَاتَّقَوْهُ فِي الْأَرْحَامِ‏.‏

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خَصِيفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ‏}‏، قَالَ‏:‏ اتَّقُوا الْأَرْحَامَ أَنْ تَقْطَعُوهَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ‏}‏، قَالَ‏:‏ هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ‏:‏ ‏"‏أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ وَالرَّحِمِ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏(‏اتَّقُوا اللَّهَ، وَصِلُوا الْأَرْحَام‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ‏}‏، قَالَ‏:‏ اتَّقُوا الْأَرْحَامَ أَنْ تَقْطَعُوهَا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ‏}‏، قَالَ يَقُولُ‏:‏ اتَّقُوا اللَّهَ فِي الْأَرْحَامِ فَصِلُوهَا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ‏}‏، قَالَ يَقُولُ‏:‏ وَاتَّقُوا اللَّهَ فِي الْأَرْحَامِ فَصِلُوهَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَمَّادٍ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْخَزَّازُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ‏:‏ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقْرَأُ‏:‏ ‏"‏وَالْأَرْحَامَ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ اتَّقُوا اللَّهَ لَا تَقْطَعُوهَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ اتَّقُوا الْأَرْحَامَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَالَ، ‏{‏وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ‏}‏، أَنْ تَقْطَعُوهَا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ‏}‏، وَاتَّقُوا الْأَرْحَامَ أَنْ تَقْطَعُوهَا وَقَرَأَ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الرَّعْدِ‏:‏ 21‏]‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ قَرَأَ ذَلِكَ مَنْ قَرَأَهُ نَصْبًا بِمَعْنَى‏:‏ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ، وَاتَّقُوا الْأَرْحَامَ أَنْ تَقْطَعُوهَا عَطْفًا بـ ‏"‏الْأَرْحَامِ ‏"‏، فِي إِعْرَابِهَا بِالنَّصْبِ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا نَسْتَجِيزُ لِقَارِئٍ أَنْ يَقْرَأَ غَيْرَهَا فِي ذَلِكَ، النَّصْبُ‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ‏}‏، بِمَعْنَى‏:‏ وَاتَّقُوا الْأَرْحَامَ أَنْ تَقْطَعُوهَا، لِمَا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْعَرَبَ لَا تَعْطِفُ بِظَاهِرٍ مِنَ الْأَسْمَاءِ عَلَى مَكْنِيٍّ فِي حَالِ الْخَفْضِ، إِلَّا فِي ضَرُورَةِ شَعْرٍ، عَلَى مَا قَدْ وَصَفْتُ قَبْلُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا‏.‏

وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏عَلَيْكُمْ ‏"‏، عَلَى النَّاسِ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ‏}‏، وَالْمُخَاطَبُ وَالْغَائِبُ إِذَا اجْتَمَعَا فِي الْخَبَرِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ تُخَرِّجُ الْكَلَامَ عَلَى الْخِطَابِ، فَتَقُولُ‏:‏ إِذَا خَاطَبْتَ رَجُلًا وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً فَعَلَتْ هِيَ وَآخَرُونَ غُيِّبَ مَعَهُمْ فِعْلًا ‏"‏فَعُلْتُمْ كَذَا، وَصَنَعْتُمْ كَذَا ‏"‏‏.‏

وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏رَقِيبًا‏"‏، حَفِيظًا، مُحْصِيًا عَلَيْكُمْ أَعْمَالَكُمْ، مُتَفَقِّدًا رِعَايَتَكُمْ حُرْمَةَ أَرْحَامِكُمْ وَصِلَتِكُمْ إِيَّاهَا، وَقَطْعِكُمُوهَا وَتَضْيِيعَكُمْ حُرْمَتَهَا، كَمَا‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا‏}‏، حَفِيظًا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، سَمِعْتُ ابْنَ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا‏}‏، عَلَى أَعْمَالِكُمْ، يَعْلَمُهَا وَيَعْرِفُهَا‏.‏

وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي دُؤادَ الإيادِيِّ‏:‏

كَمَقَاعِدِ الرُّقَبَاءِ *** لِلضُّرَبَاءِ أَيْدِيهمْ نَوَاهِدْ

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَوْصِيَاءَ الْيَتَامَى‏.‏ يَقُولُ لَهُمْ‏:‏ وَأَعْطُوا يَا مَعْشَرَ أَوْصِيَاءِ الْيَتَامَى‏:‏ ‏[‏الْيَتَامَى‏]‏ أَمْوَالَهُمْ إِذَا هُمْ بَلَغُوا الْحُلُمَ، وَأُونِسَ مِنْهُمُ الرُّشْدُ ‏"‏وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ وَلَا تَسْتَبْدِلُوا الْحَرَامَ عَلَيْكُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ بِأَمْوَالِكُمُ الْحَلَالِ لَكَُمْ، كَمَا‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏"‏وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ‏"‏، قَالَ‏:‏ الْحَلَالُ بِالْحَرَامِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلُهُ‏.‏

حَدَّثَنِي سُفْيَانُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ‏"‏، قَالَ‏:‏ الْحَرَامَ مَكَانَ الْحَلَالِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ تَبْدِيلِهِمُ الْخَبِيثَ كَانَ بِالطَّيِّبِ، الَّذِي نُهُوا عَنْهُ، وَمَعْنَاهُ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ كَانَ أَوْصِيَاءُ الْيَتَامَى يَأْخُذُونَ الْجَيِّدَ مِنْ مَالِهِ وَالرَّفِيعَ مِنْهُ، وَيَجْعَلُونَ مَكَانَهُ لِلْيَتِيمِ الرَّدِيءَ وَالْخَسِيسَ، فَذَلِكَ تَبْدِيلُهُمُ الَّذِي نَهَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ‏}‏، قَالَ‏:‏ لَا تُعْطِ زَيْفًا وَتَأْخُذْ جَيِّدًا‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَمَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالُوا‏:‏ يُعْطِي مَهْزُولًا وَيَأْخُذُ سَمِينًا‏.‏

وَبِهِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ‏:‏ لَا تُعْطِ فَاسِدًا، وَتَأْخُذْ جَيِّدًا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ‏}‏، كَانَ أَحَدُهُمْ يَأْخُذُ الشَّاةَ السَّمِينَةَ مِنْ غَنَمِ الْيَتِيمِ وَيَجْعَلُ مَكَانَهَا الشَّاةَ الْمَهْزُولَةَ، وَيَقُولُ‏:‏ ‏"‏شَاةٌ بِشَاةٍ‏"‏‏!‏ وَيَأْخُذُ الدِّرْهَمَ الْجَيِّدَ وَيَطْرَحُ مَكَانَهُ الزَّيْفَ، وَيَقُولُ‏:‏ ‏"‏دِرْهَمٌ بِدِرْهَمٍ ‏"‏‏!‏‏!‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ لَا تَسْتَعْجِلِ الرِّزْقَ الْحَرَامَ فَتَأْكُلَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكَ الَّذِي قُدِّرَ لَكَ مِنَ الْحَلَالِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ‏}‏، قَالَ‏:‏ لَا تُعَجِّلُ بِالرِّزْقِ الْحَرَامِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكَ الْحَلَّالُ الَّذِي قُدِّرَ لَكَ‏.‏

وَبِهِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ مِثْلُهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ، كَالَّذِي‏:‏ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ وَلَا يُوَرِّثُونَ الصِّغَارَ، يَأْخُذُهُ الْأَكْبَرُ وَقَرَأَ ‏{‏وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَيْءٌ‏:‏ ‏{‏وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ النِّسَاءِ‏:‏ 127‏]‏، لَا يُوَرِّثُونَهُمْ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَنَصِيبُهُ مِنَ الْمِيرَاثِ طَيِّبٌ، وَهَذَا الَّذِي أَخَذَهُ خَبِيثٌ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ تَأْوِيلُ ذَلِكَ‏:‏ وَلَا تَتَبَدَّلُوا أَمْوَالَ أَيْتَامِكُمْ-أَيُّهَا الْأَوْصِيَاءُ- الْحَرَامَ عَلَيْكُمُ الْخَبِيثَ لَكَُمْ، فَتَأْخُذُوا رَفَائِعَهَا وَخِيَارَهَا وَجِيَادَهَا‏.‏ بِالطَّيِّبِ الْحَلَّالِ لَكَُمْ مِنْ أَمْوَالِكُمْ ‏[‏أَيْ لَا تَأْخُذُوا‏]‏ الرَّدِيءَ الْخَسِيسَ بَدَلًا مِنْهُ‏.‏

وَذَلِكَ أَنَّ ‏"‏تَبُدُّلَ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ ‏"‏ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ‏:‏ أَخْذُ شَيْءٍ مَكَانَ آخَرَ غَيْرِهِ، يُعْطِيهِ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ أَوْ يَجْعَلُهُ مَكَانَ الَّذِي أَخَذَ‏.‏

فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَى ‏"‏التَّبَدُّلِ ‏"‏وَ ‏"‏الاسْتِبْدَالِ ‏"‏، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ مِنْ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ هُوَ أَخْذُ أَكْبَرِ وَلَدِ الْمَيِّتِ جَمِيعَ مَالِ مَيِّتِهِ وَوَالِدِهِ، دُونَ صِغَارِهِمْ، إِلَى مَالِهِ- قَوْلٌ لَا مَعْنَى لَهُ‏.‏ لِأَنَّهُ إِذَا أَخَذَ الْأَكْبَرُ مِنْ وَلَدِهِ جَمِيعَ مَالِهِ دُونَ الْأَصَاغِرِ مِنْهُمْ، فَلَمْ يَسْتَبْدِلْ مِمَّا أَخَذَ شَيْئًا‏.‏ فَمَا ‏"‏التَّبَدُّل‏"‏ الَّذِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ‏}‏، وَلَمْ يَتَبَدَّلِ الْآخِذُ مَكَانَ الْمَأْخُوذِ بَدَلًا‏؟‏

وَأَمَّا الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَأَبُو صَالِحٍ مِنْ أَنَّ مَعْنًى ذَلِكَ‏:‏ لَا تَتَعَجَّلِ الرِّزْقَ الْحَرَامَ قَبْلَ مَجِيءِ الْحَلَالِ فَإِنَّهُمَا أَيْضًا، إِنْ لَمْ يَكُونَا أَرَادَا بِذَلِكَ نَحْوَ الْقَوْلِ الَّذِي رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏إِنِ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقُ بِالْمَعْصِيَةِ يَأْتِيهَا‏"‏، فَفَسَادُهُ نَظِيرُ فَسَادِ قَوْلِ ابْنِ زَيْدٍ‏.‏ لِأَنَّ مَنْ اسْتَعْجَلَ الْحَرَامَ فَأَكَلَهُ، ثُمَّ آتَاهُ اللَّهُ رِزْقَهُ الْحَلَالَ، فَلَمْ يُبَدِّلْ شَيْئًا مَكَانَ شَيْءٍ‏.‏ وَإِنْ كَانَا قَدْ أَرَادَا بِذَلِكَ، أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَهَى عِبَادَهُ أَنْ يَسْتَعْجِلُوا الْحَرَامَ فَيَأْكُلُوهُ قَبْلَ مَجِيءِ الْحَلَالِ، فَيَكُونُ أَكْلُهُمْ ذَلِكَ سَبَبًا لِحِرْمَانِ الطَّيِّبِ مِنْهُ فَذَلِكَ وَجْهٌ مَعْرُوفٌ، وَمَذْهَبٌ مَعْقُولٌ‏.‏ يَحْتَمِلُهُ التَّأْوِيلُ‏.‏ غَيْرُ أَنَّ أَشْبَهَ ‏[‏الْقَوْلَُيْنِ‏]‏ فِي ذَلِكَ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ مَعَانِيهِ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي قِصَّةِأَمْوَالِ الْيَتَامَى وَأَحْكَامِهَا، فَلِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ حُكْمِ أَوَّلِ الْآيَةِ وَآخِرِهَا، ‏[‏أَوْلَى‏]‏ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلَا تَخْلِطُوا أَمْوَالَهُمْ-يَعْنِي‏:‏ أَمْوَالُ الْيَتَامَى بِأَمْوَالِكُمْ- فَتَأْكُلُوهَا مَعَ أَمْوَالِكُمْ، كَمَا‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكَُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، تَخْلِطُوهَا فَتَأْكُلُوهَا جَمِيعًا‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى، كَرِهُوا أَنْ يُخَالِطُوهُمْ، وَجَعَلَ وَلِيُ الْيَتِيمِ يَعْزِلُ مَالَ الْيَتِيمِ عَنْ مَالِهِ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْبَقَرَةِ‏:‏ 220‏]‏ قَالَ‏:‏ فَخَالِطُوهُمْ وَاتَّقُوا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ ‏[‏بِقَوْلِهِ‏]‏‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا‏}‏، إِنَّ أَكْلَكَُمْ أَمْوَالَ أَيْتَامِكُمْ، حُوبٌ كَبِيرٌ‏.‏

وَ ‏"‏الْهَاءُ ‏"‏فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏إِنَّه‏"‏ دَالَّةٌ عَلَى اسْمِ الْفِعْلِ، أَعْنِي ‏"‏الْأَكْلَ‏"‏‏.‏

وَأَمَّا ‏"‏الْحُوبُ ‏"‏، فَإِنَّهُ الْإِثْمُ، يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏حَابَ الرَّجُلُ يَحُوبُ حَوْبًا وَحُوبًا وحِيَابَةً ‏"‏، وَيُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏قَدْ تَحَوَّبَ الرَّجُلُ مِنْ كَذَا ‏"‏، إِذَا تَأَثَّمَ مِنْهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ أُمِّيَّةَ بْنِ الْأَسْكَرِ اللَّيْثِيِّ‏:‏

وَإِنَّ مُهَـاجِرَيْنِ تَكنَّفَـاهُ *** غَدَاتَئِـذٍ، لقَـدْ خَطَئَـا وحَابَـا

وَمِنْهُ قِيلَ‏:‏ ‏"‏نَزَلْنَا بِحَوْبَةٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَبِحَيْبَةٍ مِنَ الْأَرْضِ‏"‏، إِذَا نَزَلَوا بِمَوْضِعِ سَوْءٍ مِنْهَا‏.‏

وَ ‏"‏الْكَبِيرُ‏"‏ الْعَظِيمُ‏.‏

فَمَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ إِنَّ أَكْلَكَُمْ أَمْوَالَ الْيَتَامَى مَعَ أَمْوَالِكُمْ، إِثْمٌ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏حُوبًا كَبِيرًا‏}‏ قَالَ‏:‏ إِثْمًا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلُهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا‏}‏، قَالَ‏:‏ إِثْمًا عَظِيمًا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏كَانَ حُوبًا‏}‏ أَمَّا ‏"‏حُوبًا‏"‏ فَإِثْمًا‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ حُوبًا‏"‏، قَالَ‏:‏ إِثْمًا‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ ظُلْمًا كَبِيرًا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، سَمِعْتُ ابْنَ زَيْدٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا‏}‏ قَالَ‏:‏ ذَنْبًا كَبِيرًا وَهِيَ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏حُوبًا كَبِيرًا‏}‏، قَالَ‏:‏ إِثْمًا وَاللَّهِ عَظِيمًا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَإِنْ خِفْتُمْ، يَا مَعْشَرَ أَوْلِيَاءِ الْيَتَامَى، أَنْ لَا تُقَسِطُوا فِي صَدَاقِهِنَّ فَتَعْدِلُوا فِيهِ، وَتَبْلُغُوا بِصَدَاقِهِنَّ صَدَقَاتِ أَمْثَالِهِنَّ، فَلَا تَنْكِحُوهُنَّ، وَلَكَِنِ انْكِحُوا غَيْرَهُنَّ مِنَ الْغَرَائِبِ اللَّوَاتِي أَحَلَّهُنَّ اللَّهُ لَكَُمْ وَطَيَّبَهُنَّ، مِنْ وَاحِدَةٍ إِلَى أَرْبَعَ، وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ تَجُورُوا إِذَا نَكَحْتُمْ مِنَ الْغَرَائِبِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَلَا تَعْدِلُوا، فَانْكِحُوا مِنْهُنَّ وَاحِدَةً، أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَة‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ‏}‏، فَقَالَتْ‏:‏ يَا ابْنَ أُخْتِي، هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حِجْرِ وَلِيِّهَا، فَيَرْغَبُ فِي مَالِهَا وَجِمَالِهَا، وَيُرِيدُ أَنْ يَنْكِحَهَا بِأَدْنَى مِنْ سُنَّةِ صَدَاقِهَا، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فِي إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا سِوَاهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ‏:‏ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَة زوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ‏}‏، قَالَتْ‏:‏ يَا ابْنَ أُخْتِي، هَذِهِالْيَتِيمَةُ، تَكُونُ فِي حَجَرِ وَلِيِّهَا تُشَارِكُهُ فِي مَالِهِ، فَيُعْجِبُهُ مَالَهَا وَجِمَالَهَا‏.‏ فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا، فَيُعْطِيهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ، وَيَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ فِي الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ قَالَ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ رَبِيعَةُ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى‏}‏، قَالَ يَقُولُ‏:‏ اتْرُكُوهُنَّ، فَقَدْ أَحْلَلْتُ لَكَُمْ أَرْبَعًا‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجُنَيْدِ وَأَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَا‏.‏ أَنَّبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمِّيَّةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ عَائِشَة أمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْتُ‏:‏ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ‏}‏‏؟‏ قَالَتْ‏:‏ يَا ابْنَ أُخْتِي، هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا، فَيَرْغَبُ فِي جِمَالِهَا وَمَالِهَا، وَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِأَدْنَى مِنْ سُنَّةِ صَدَاقِ نِسَائِهَا، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ‏:‏ أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا فَيُكَمِلُوا لَهُنَّ الصَّدَاقَ، ثُمَّ أُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا سِوَاهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ إِنْ لَمْ يُكْمِلُوا لَهُنَّ الصَّدَاقَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ، حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ‏:‏ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَة زوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَة، مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ حَمِيدٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَة قالَتْ‏:‏ نَزَلَ تَعْنِي قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى‏}‏، الْآيَةَ فِي الْيَتِيمَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ، وَهِيَ ذَاتُ مَالٍ، فَلَعَلَّهُ يَنْكِحُهَا لَمَالِهَا، وَهِيَ لَا تُعْجِبُهُ، ثُمَّ يَضْرِبُهَا، وَيُسِيءُ صُحْبَتَهَا، فَوُعِظَ فِي ذَلِكَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، جَوَابُ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا‏}‏، قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ فَانْكِحُوا‏"‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ النَّهْيُ عَنْ نِكَاحِ مَا فَوْقَ الْأَرْبَعِ، حِذَارًا عَلَى أَمْوَالِ الْيَتَامَى أَنْ يُتْلِفَهَا أَوْلِيَاؤُهُمْ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَتَزَوَّجُ الْعَشْرَ مِنَ النِّسَاءِ وَالْأَكْثَرَ وَالْأَقَلَّ، فَإِذَا صَارَ مُعْدِمًا، مَالَ عَلَى مَالِ يَتِيمِهِ الَّذِي فِي حِجْرِهِ فَأَنْفَقَهُ أَوْ تَزَوَّجَ بِهِ‏.‏ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ، وَقِيلَ لَهُمْ‏:‏ إِنْ أَنْتُمْ خِفْتُمْ عَلَى أَمْوَالِ أَيْتَامِكُمْ أَنْ تُنْفِقُوهَا فَلَا تَعْدِلُوا فِيهَا، مِنْ أَجْلِ حَاجَتِكُمْ إِلَيْهَا لِمَا يَلْزَمُكُمْ مِنْ مُؤَنِ نِسَائِكُمْ، فَلَا تَجَاوَزُوا فِيمَا تَنْكِحُونَ مِنْ عَدَدِ النِّسَاءِ عَلَى أَرْبَعٍ وَإِنْ خِفْتُمْ أَيْضًا مِنَ الْأَرْبَعِ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فِي أَمْوَالِهِمْ، فَاقْتَصَرُوا عَلَى الْوَاحِدَةِ، أَوْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏.‏

ذِكْرُ مِنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَمَّاكٍ قَالَ، سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ قُرَيْشٍ يَكُونُ عِنْدَهُ النِّسْوَةُ، وَيَكُونُ عِنْدَهُ الْأَيْتَامُ، فَيَذْهَبُ مَالُهُ، فَيَمِيلُ عَلَى مَالِ الْأَيْتَامِ، قَالَ‏:‏ فنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سَمَّاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ الرَّجُلُ يَتَزَوَّجُ الْأَرْبَعَ وَالْخَمْسَ وَالسِّتَّ وَالْعَشَرَ، فَيَقُولُ الرَّجُلُ‏:‏ ‏"‏مَا يَمْنَعُنِي أَنَّ أَتَزَوَّجَ كَمَا تَزَوَّجَ فَلَانٌ ‏"‏ فَيَأْخُذُ مَالَ يَتِيمِهِ فَيَتَزَوَّجُ بِهِ، فَنُهُوا أَنْ يَتَزَوَّجُوا فَوْقَ الْأَرْبَعِ‏.‏

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ قَصَرَ الرِّجَالُ عَلَى أَرْبَعٍ مِنْ أَجْلِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى‏}‏، فَإِنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَتَزَوَّجُ بِمَالِ الْيَتِيمِ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَنَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا يَتَحَوَّبُونَ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى أَنْ لَا يَعْدِلُوا فِيهَا، وَلَا يَتَحَوَّبُونَ فِي النِّسَاءِ أَنْ لَا يَعْدِلُوا فِيهِنَّ، فَقِيلَ لَهُمْ‏:‏ كَمَا خِفْتُمْ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فِي الْيَتَامَى، فَكَذَلِكَ فَخَافُوا فِي النِّسَاءِ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فِيهِنَّ، وَلَا تَنْكِحُوا مِنْهُنَّ إِلَّا مِنْ وَاحِدَةٍ إِلَى الْأَرْبَعِ، وَلَا تَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ‏.‏ وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تَعَدِلُوا أَيْضًا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْوَاحِدَةِ، فَلَا تَنْكِحُوا إِلَّا مَا لَا تَخَافُونَ أَنْ تَجُورُوا فِيهِنَّ مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ، كَانَ النَّاسُ عَلَى جَاهِلِيَّتِهِمْ، إِلَّا أَنْ يُؤْمَرُوا بِشَيْءٍ أَوْ يُنْهَوْا عَنْهُ، قَالَ‏:‏ فَذَكَرُوا الْيَتَامَى، فنَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ فَكَمَا خِفْتُمْ أَنْ لَا تُقَسِطُوا فِي الْيَتَامَى، فَكَذَلِكَ فَخَافُوا أَنْ لَا تُقَسِطُوا فِي النِّسَاءِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى‏}‏ إِلَى‏:‏ ‏"‏أَيْمَانِكُمْ‏"‏، كَانُوا يُشَدِّدُونَ فِي الْيَتَامَى، وَلَا يُشَدِّدُونَ فِي النِّسَاءِ، يَنْكِحُ أَحَدُهُمُ النِّسْوَةَ، فَلَا يَعْدِلُ بَيْنَهُنَّ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ كَمَا تَخَافُونَ أَنْ لَا تَعْدِلُوا بَيْنَ الْيَتَامَى، فَخَافُوا فِي النِّسَاءِ، فَانْكِحُوا وَاحِدَةً إِلَى الْأَرْبَعِ‏.‏ فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ‏}‏ حَتَّى بَلَغَ ‏"‏أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ كَمَا خِفْتُمُ الْجَوْرَ فِي الْيَتَامَى وَهَمَّكُمْ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ فَخَافُوا فِي جَمْعِ النِّسَاءِ، وَكَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَزَوَّجُ الْعَشْرَةَ فَمًا دُونَ ذَلِكَ، فَأَحَلَّ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَرْبَعًا، ثُمَّ صَيَّرَهُنَّ إِلَى أَرْبَعٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً‏}‏، يَقُولُ، إِنْ خِفْتَ أَنْ لَا تَعْدِلَ فِي أَرْبَعٍ فَثَلَاثٌ، وَإِلَّا فَثِنْتَيْنِ، وَإِلَّا فَوَاحِدَةً‏.‏ وَإِنْ خِفْتَ أَنْ لَا تَعْدِلَ فِي وَاحِدَةٍ، فَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مَا أَحِلُّ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ ‏{‏مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ‏}‏، فَخَافُوا فِي النِّسَاءِ مِثْلَ الَّذِي خِفْتُمْ فِي الْيَتَامَى‏:‏ أَنْ لَا تُقَسِطُوا فِيهِنَّ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَالنَّاسُ عَلَى جَاهِلِيَّتِهِمْ، إِلَّا أَنْ يُؤْمَرُوا بِشَيْءٍ فَيَتَّبِعُوهُ، أَوْ يُنْهَوْا عَنْ شَيْءٍ فَيَجْتَنِبُوهُ، حَتَّى سَأَلُوا عَنِ الْيَتَامَى، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ عَارِمٌ قَالَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ، بَعَثَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ عَلَى أَمْرِ جَاهِلِيَّتِهِمْ، إِلَّا أَنْ يُؤْمَرُوا بِشَيْءٍ أَوْ يُنْهَوْا عَنْهُ، وَكَانُوا يَسْأَلُونَهُ عَنِ الْيَتَامَى فَأَنْـزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ‏}‏، قَالَ‏:‏ فَكَمَا تَخَافُونَ أَنْ لَا تُقَسِطُوا فِي الْيَتَامَى، فَخَافُوا أَنْ لَا تُقَسِطُوا وَتَعْدِلُوا فِي النِّسَاءِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَنْكِحُونَ عَشْرًا مِنَ النِّسَاءِ الْأَيَامَى، وَكَانُوا يُعَظِّمُونَ شَأْنَ الْيَتِيمِ، فَتَفَقَّدُوا مِنْ دِينِهِمْ شَأْنَ الْيَتِيمِ، وَتَرَكُوا مَا كَانُوا يَنْكِحُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تُقَسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ‏}‏، وَنَهَاهُمْ عَمَّا كَانُوا يَنْكِحُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ‏}‏، كَانُوا فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ لَا يَرْزَأُونَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ شَيْئًا، وَهُمْ يَنْكِحُونَ عَشْرًا مِنَ النِّسَاءِ، وَيَنْكِحُونَ نِسَاءَ آبَائِهِمْ، فَتَفَقَّدُوا مِنْ دِينِهِمْ شَأْنَ النِّسَاءِ، فَوَعَظَهُمُ اللَّهُ فِي الْيَتَامَى وَفِي النِّسَاءِ، فَقَالَ فِي الْيَتَامَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ‏}‏ إِلَى ‏{‏إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا‏}‏ وَوَعْظَهُمْ فِي شَأْنِ النِّسَاءِ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ‏}‏ الْآيَةَ، وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ النِّسَاءِ‏:‏ 22‏]‏‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى‏}‏ إِلَى ‏{‏مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَإِنْ خِفْتُمُ الْجَوْرَ فِي الْيَتَامَى وَغَمَّكُمْ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ فَخَافُوا فِي جَمْعِ النِّسَاءِ، قَالَ‏:‏ وَكَانَ الرَّجُلُ يَتَزَوَّجُ الْعَشْرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَمَا دُونَ ذَلِكَ، وَأَحَلَّ اللَّهُ أَرْبَعًا، وَصَيَّرَهُمْ إِلَى أَرْبَعٍ، يَقُولُ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً‏}‏، وَإِنْ خِفْتَ أَنْ لَا تَعْدِلَ فِي وَاحِدَةٍ، فَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ فَكَمَا خِفْتُمْ فِي الْيَتَامَى، فَكَذَلِكَ فَتُخَوَّفُوا فِي النِّسَاءِ أَنْ تَزْنُوا بِهِنَّ، وَلَكَِنِ انْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِنْ تَحَرَّجْتُمْ فِي وِلَايَةِ الْيَتَامَى وَأَكْلِ أَمْوَالِهِمْ إِيمَانًا وَتَصْدِيقًا، فَكَذَلِكَ فَتَحَرَّجُوا مِنَ الزِّنَا، وَانْكِحُوا النِّسَاءَ نِكَاحًا طَيِّبًا ‏{‏مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلُهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقَسِطُوا فِي الْيَتَامَى اللَّاتِي أَنْتُمْ وُلَاتُهُنَّ، فَلَا تَنْكِحُوهُنَّ، وَانْكِحُوا أَنْتُمْ مَا حَلَّ لَكَُمْ مِنْهُنَّ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَة‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى‏}‏، قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ فِي الْيَتِيمَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ، هُوَ وَلِيُّهَا، لَيْسَ لَهَا وَلِيٌّ غَيْرُهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُنَازِعُهُ فِيهَا، وَلَا يَنْكِحُهَا لَمَالِهَا، فَيَضْرِبُهَا، وَيُسِيءُ صُحْبَتَهَا‏.‏

حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مُسْعِدَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ‏}‏ أَيْ‏:‏ مَا حَلَّ لَكَُمْ مِنْ يَتَامَاكُمْ مِنْ قُرَابَاتِكُمْ ‏{‏مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي ذَلِكَ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ تَأْوِيلُهَا‏:‏ ‏"‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقَسِطُوا فِي الْيَتَامَى، فَكَذَلِكَ فَخَافُوا فِي النِّسَاءِ، فَلَا تَنْكِحُوا مِنْهُنَّ إِلَّا مَا لَا تَخَافُونَ أَنْ تَجُورُوا فِيهِ مِنْهُنَّ، مِنْ وَاحِدَةٍ إِلَى الْأَرْبَعِ، فَإِنْ خِفْتُمُ الْجَوْرَ فِي الْوَاحِدَةِ أَيْضًا، فَلَا تَنْكِحُوهَا، وَلَكَِنْ عَلَيْكُمْ بِمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ لَا تَجُورُوا عَلَيْهِنَّ ‏"‏‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ افْتَتَحَ الْآيَةَ الَّتِي قَبْلَهَا بِالنَّهْيِ عَنْ أَكْلِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى بِغَيْرِ حَقِّهَا وَخَلْطِهَا بِغَيْرِهَا مِنَ الْأَمْوَالِ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا‏}‏‏.‏ ثُمَّ أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُمْ إِنِ اتَّقَوُا اللَّهَ فِي ذَلِكَ فَتَحَرَّجُوا فِيهِ، فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ اتِّقَاءِ اللَّهِ وَالتَّحَرُّجِ فِي أَمْرِ النِّسَاءِ، مِثْلَ الَّذِي عَلَيْهِمْ مِنَ التَّحَرُّجِ فِي أَمْرِ الْيَتَامَى، وَأَعْلَمَهُمْ كَيْفَ التَّخَلُّصُ لَهُمْ مِنَ الْجَوْرِ فِيهِنَّ، كَمَا عَرَّفَهُمُ الْمُخْلِّصَ مِنَ الْجَوْرِ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى، فَقَالَ‏:‏ انْكِحُوا إِنْ أَمِنْتُمُ الْجَوْرَ فِي النِّسَاءِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، مَا أَبَحْتُ لَكَُمْ مِنْهُنَّ وَحَلَّلْتُهُ، مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ، فَإِنْ خِفْتُمْ أَيْضًا الْجَوْرَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ فِي أَمْرِ الْوَاحِدَةِ، بِأَنْ لَا تَقْدِرُوا عَلَى إِنْصَافِهَا، فَلَا تَنْكِحُوهَا، وَلَكَِنْ تَسَرَّوْا مِنَ الْمَمَالِيكِ، فَإِنَّكُمْ أَحْرَى أَنْ لَا تَجُورُوا عَلَيْهِنَّ، لِأَنَّهُنَّ أَمْلَاكُكُمْ وَأَمْوَالُكُمْ، وَلَا يَلْزَمُكُمْ لَهُنَّ مِنَ الْحُقُوقِ كَالَّذِي يَلْزَمُكُمْ لِلْحَرَائِرِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَقْرُبَ لَكَُمْ إِلَى السَّلَامَةِ مِنَ الْإِثْمِ وَالْجَوْرِ‏.‏

فَفِي الْكَلَامِ-إِذْ كَانَ الْمَعْنَى مَا قُلْنَا- مَتْرُوكٌ اسْتَغْنَى بِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنَ الْكَلَامِ عَنْ ذِكْرِهِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تُقَسِطُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى فَتَعْدِلُوا فِيهَا، فَكَذَلِكَ فَخَافُوا أَنْ لَا تُقَسِطُوا فِي حُقُوقِ النِّسَاءِ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَلَا تَتَزَوَّجُوا مِنْهُنَّ إِلَّا مَا أَمِنْتُمْ مَعَهُ الْجَوْرَ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ، وَإِنْ خِفْتُمْ أَيْضًا فِي ذَلِكَ فَوَاحِدَةً‏.‏ وَإِنْ خِفْتُمْ فِي الْوَاحِدَةِ، فَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَتَرَكَ ذِكْرَ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏فَكَذَلِكَ فَخَافُوا أَنْ لَا تُقَسِطُوا فِي حُقُوقِ النِّسَاءِ ‏"‏، بِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏}‏‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَأَيْنَ جَوَابُ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى‏}‏‏؟‏

قِيلَ‏:‏ قَوْلُهُ ‏{‏فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ‏}‏، غَيْرَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مَا قُلْنَا قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا‏}‏‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْلُ أَنَّ مَعْنَى ‏"‏الْإِقْسَاطِ ‏"‏ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ‏:‏ الْعَدْلُ وَالْإِنْصَافُ وَأَنَّ ‏"‏الْقِسْطَ ‏"‏‏:‏ الْجَوْرُ وَالْحَيْفُ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

وَأَمَّا ‏"‏الْيَتَامَى ‏"‏، فَإِنَّهَا جَمْعٌ لَذُكْرَانِ الْأَيْتَامِ وَإِنَاثِهِمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ‏}‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ فَانْكِحُوا مَا حَلَّ لَكَُمْ مِنْهُنَّ، دُونَ مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ مِنْهُنَّ، كَمَا‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ‏}‏، مَا حَلَّ لَكَُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مَا حَلَّ لَكَُمْ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ وَكَيْفَ قِيلَ‏:‏ ‏"‏فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ ‏"‏، وَلَمْ يَقِلْ‏:‏ ‏"‏فَانْكِحُوا مَنْ طَابَ لَكَُمْ ‏"‏ وَإِنَّمَا يُقَالُ‏:‏ ‏"‏مَا ‏"‏ فِي غَيْرِ النَّاسِ‏.‏

قِيلَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبْتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ‏:‏ فَانْكِحُوا نِكَاحًا طَيِّبًا، كَمَا‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ‏}‏، فَانْكِحُوا النِّسَاءَ نِكَاحًا طَيِّبًا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلُهُ‏.‏

فَالْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مَا طَابَ لَكَُمْ‏}‏، الْفِعْلُ، دُونَ أَعْيَانِ النِّسَاءِ وَأَشْخَاصِهِنَّ، فَلِذَلِكَ قِيلَ ‏"‏مَا ‏"‏ وَلَمْ يُقِلْ ‏"‏مَنْ ‏"‏، كَمَا يُقَالُ‏:‏ ‏"‏خُذْ مِنْ رَقِيقِي مَا أَرَدْتَ ‏"‏، إِذَا عَنَيْتَ‏:‏ خُذْ مِنْهُمْ إِرَادَتَكَ‏.‏ وَلَوْ أَرَدْتَ‏:‏ خُذْ الَّذِي تُرِيدُ مِنْهُمْ، لَقُلْتَ‏:‏ ‏"‏خُذْ مِنْ رَقِيقِي مَنْ أَرَدْتَ مِنْهُمْ ‏"‏‏.‏ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ‏"‏، بِمَعْنَى‏:‏ أَوْ مَلَكَ أَيْمَانُكُمْ‏.‏

وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ‏"‏، فَلْيَنْكِحْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ، كَمَا قِيلَ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً‏}‏ ‏[‏سُورَةُ النُّورِ‏:‏ 4‏]‏‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ‏}‏، فَإِنَّمَا تُرِكَ إِجْرَاؤُهُنَّ، لِأَنَّهُنَّ مَعْدُولَاتٌ عَنِ ‏"‏اثْنَيْنِ ‏"‏وَ‏"‏ثَلَاث‏"‏ وَ‏"‏أَرْبَعٍ ‏"‏، كَمَا عَدَلَ ‏"‏عُمْرَ ‏"‏عَنْ ‏"‏عَامِرٍ ‏"‏، وَ‏"‏زُفَر‏"‏ عَنْ ‏"‏زَافِرٍ ‏"‏فَتُرِكَ إِجْرَاؤُهُ، وَكَذَلِكَ، ‏"‏أُحَاد‏"‏ وَ‏"‏ثَنَاءَ ‏"‏وَ‏"‏مَوْحَد‏"‏ وَ‏"‏مَثْنَى ‏"‏وَ‏"‏مَثْلَث‏"‏ وَ‏"‏مَرْبَعُ ‏"‏، لَا يَجْرِي ذَلِكَ كُلُّهُ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذُكِرَتْ مِنَ الْعُدُولِ عَنْ وُجُوهِهِ‏.‏ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ، مَا قِيلَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَ‏"‏سُورَةِ فَاطِرٍ ‏"‏،‏:‏ ‏"‏مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ‏"‏يُرَادُ بِهِ ‏"‏الْجَنَاحُ ‏"‏، وَ ‏"‏الجَنَاح‏"‏ ذَكَرَ وَأَنَّهُ أَيْضًا لَا يُضَافُ إِلَى مَا يُضَافُ إِلَيْهِ ‏"‏الثَّلَاثَةُ ‏"‏وَ ‏"‏الثَّلَاث‏"‏ وَأَنَّ ‏"‏الْأَلِفَ وَاللَّامَ ‏"‏لَا تَدْخُلُهُ فَكَانَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِلْعَدَدِ مَعْرِفَةٌ، وَلَوْ كَانَ نَكِرَةً لَدَخَلَهُ ‏"‏الْأَلِفُ وَاللَّامُ ‏"‏، وَأُضِيفَ كَمَا يُضَافُ ‏"‏الثَّلَاثَة‏"‏ وَ ‏"‏الأَرْبَعَةُ‏"‏‏.‏ وَمِمَّا يُبَيِّنُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ تَمِيمِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ مُقْبِلٍ‏:‏

تَـرَى النُّعَـرَاتِ الـزُّرْقَ تَحْـتَ لَبَانِهِ *** أُحَـادَ وَمَثْنَـى أَصْعَقَتْهَـا صَوَاهِلُـهْ

فَرَدَّ ‏"‏أُحَادَ وَمَثْنَى ‏"‏، عَلَى ‏"‏النُّعَرَاتِ ‏"‏ وَهِيَ مَعْرِفَةٌ‏.‏ وَقَدْ تَجْعَلُهَا الْعَرَبُ نَكِرَةً فَتُجْرِيهَا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

وَإِنَّ الغُـلامَ المُسْـتَهَامَ بذِكْـرِهِ *** قَتَلْنَـا بِـهِ مِـنْ بيـنِ مَثْنًـى وَمَوْحَدِ

بِأَرْبَعَـةٍ مِنْكُـمْ وَآخَـرَ خَـامِسٍ *** وَسَـادٍ مَـعَ الإظْـلامِ فِـي رُمْحِ مَعْبَدِ

وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ ‏"‏ثُنَاءَ ‏"‏وَ‏"‏أُحَاد‏"‏ غَيْرُ جَارِيَةٍ، قَوْلُ الشَّاعِرِ‏:‏

وَلَقَـدْ قَتَلْتُكُـمُ ثُنَـاءَ وَمَوْحَـدًا *** وَتَـرَكْتُ مُـرَّةَ مِثْـلَ أَمْسٍ المُدْبِـرِ

وَقَوْلُ الشَّاعِرِ‏:‏

مَنَـتْ لَكَ أَنْ تُلاقِيَنـي المَنَايَـا *** أُحَـادَ أُحَـادَ فِـي شَـهْرٍ حَـلالِ

وَلَمْ يُسْمَعْ مِنَ الْعَرَبِ صَرْفُ مَا جَاوَزَ ‏"‏الرُّبَّاعَ ‏"‏وَ ‏"‏المَرْبَع‏"‏ عَنْ جِهَتِهِ‏.‏ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهَا ‏"‏خُمَاسُ ‏"‏وَلَا ‏"‏الْمَخْمَسُ ‏"‏، وَلَا ‏"‏السَّبَاع‏"‏ وَلَا ‏"‏الْمَسْبَعُ ‏"‏، وَكَذَلِكَ مَا فَوْقَ ‏"‏الرُّبَاعِ ‏"‏إِلَّا فِي بَيْتٍ لِلْكُمَيْتِ‏.‏ فَإِنَّهُ يُرْوَى لَهُ فِي ‏"‏الْعَشْرَةِ ‏"‏، ‏"‏عُشَار‏"‏ وَهُوَ قَوْلُهُ‏:‏

فَلَـمْ يَسْـتَرِيثُوكَ حَـتَّى رَمَـيْ *** تَ فَـوْقَ الرِّجَـالِ خِصَـالا عُشَـارَا

يُرِيدُ‏:‏ ‏"‏عَشْرًا، عَشْرًا ‏"‏، يُقَالُ‏:‏ إِنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ غَيْرُ ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً‏}‏، فَإِنَّ نَصْبَ ‏"‏وَاحِدَةٍ ‏"‏، بِمَعْنَى‏:‏ فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فِيمَا يُلْزِمُكُمْ مِنَ الْعَدْلِ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ مِنَ النِّسَاءِ عِنْدَكُمْ بِنِكَاحٍ، فِيمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ لَهُنَّ عَلَيْكُمْ فَانْكِحُوا وَاحِدَةً مِنْهُنَّ‏.‏

وَلَوْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ جَاءَتْ فِي ذَلِكَ بِالرَّفْعِ، كَانَ جَائِزًا، بِمَعْنَى‏:‏ فَوَاحِدَةٌ كَافِيَةٌ، أَوْ‏:‏ فَوَاحِدَةٌ مُجْزِئَةٌ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْبَقَرَةِ‏:‏ 282‏]‏‏.‏

وَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ‏:‏ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْحَلَالَ لَكَُمْ مِنْ جَمِيعِ النِّسَاءِ الْحَرَائِرِ، نِكَاحُ أَرْبَعٍ، فَكَيْفَ قِيلَ‏:‏ ‏"‏فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ‏"‏، وَذَلِكَ فِي الْعَدَدِ تِسْعٌ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ إِنَّ تَأْوِيلَ ذَلِكَ‏:‏ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ، إِمَّا مَثْنَى إِنْ أَمِنْتُمُ الْجَوْرَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ فِيمَا يَجِبُ لَهُمَا عَلَيْكُمْ وَإِمَّا ثَلَاثٌ، إِنْ لَمْ تَخَافُوا ذَلِكَ وَإِمَّا أَرْبَعٌ، إِنْ أَمِنْتُمْ ذَلِكَ فِيهِنَّ‏.‏

يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً‏}‏، لِأَنَّ الْمَعْنَى‏:‏ فَإِنْ خِفْتُمْ فِي الثِّنْتَيْنِ فَانْكِحُوا وَاحِدَةً‏.‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تَعْدِلُوا أَيْضًا فِي الْوَاحِدَةِ، فَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَإِنَّ أَمْرَ اللَّهِ وَنَهْيَهُ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْإِلْزَامِ حَتَّى تَقُومَ حُجَّةٌ بِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى التَّأْدِيبِ وَالْإِرْشَادِ وَالْإِعْلَامِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ‏}‏، وَذَلِكَ أَمْرٌ، فَهَلْ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي هُوَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْإِلْزَامِ وَالْإِيجَابِ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ نَعَمْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً‏}‏‏.‏ فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ‏}‏، وَإِنْ كَانَ مَخْرَجُهُ مَخْرَجَ الْأَمْرِ، فَإِنَّهُ بِمَعْنَى الدَّلَالَةِ عَلَىالنَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ مَا خَافَ النَّاكِحُ الْجَوْرَ فِيهِ مِنْ عَدَدِ النِّسَاءِ، لَا بِمَعْنَى الْأَمْرِ بِالنِّكَاحِ، فَإِنَّ الْمَعْنِيَّ بِهِ‏:‏ وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تُقَسِطُوا فِي الْيَتَامَى، فَتَحَرَّجْتُمْ فِيهِنَّ، فَكَذَلِكَ فَتَحَرَّجُوا فِي النِّسَاءِ، فَلَا تَنْكِحُوا إِلَّا مَا أَمِنْتُمُ الْجَوْرَ فِيهِ مِنْهُنَّ، مَا أَحْلَلْتُهُ لَكَُمْ مِنَ الْوَاحِدَةِ إِلَى الْأَرْبَعِ‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ الْعَرَبَ تُخْرِّجُ الْكَلَامَ بِلَفْظِ الْأَمْرِ وَمَعْنَاهَا فِيهِ النَّهْيُ أَوِ التَّهْدِيدُ وَالْوَعِيدُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْكَهْفِ‏:‏ 29‏]‏، وَكَمَا قَالَ‏:‏ ‏{‏لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ النَّحْلِ‏:‏ 55 سُورَةُ الرُّومِ‏:‏ 34‏]‏، فَخَرَجَ ذَلِكَ مَخْرَجَ الْأَمْرِ، وَالْمَقْصُودُ بِهِ التَّهْدِيدُ وَالْوَعِيدُ وَالزَّجْرُ وَالنَّهْيُ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ‏}‏، بِمَعْنَى النَّهْيِ‏:‏ فَلَا تَنْكِحُوا إِلَّا مَا طَابَ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ‏.‏

وَعَلَى النَّحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏}‏ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مِنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَإِنْ خِفْتَ أَنْ لَا تَعْدِلَ فِي وَاحِدَةٍ، فَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏}‏، السَّرَارِي‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ‏}‏، فَإِنْ خِفْتَ أَنْ لَا تَعْدِلَ فِي وَاحِدَةٍ، فَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ‏.‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا‏}‏، قَالَ‏:‏ فِي الْمُجَامَعَةِ وَالْحُبِّ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فِي مَثْنَى أَوْ ثُلَاثَ أَوْ رُبَاعَ فَنَكَحْتُمْ وَاحِدَةً، أَوْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فِي الْوَاحِدَةِ فَتَسَرَّرْتُمْ مِلْكَ أَيْمَانِكُمْ، فَهُوَ ‏"‏أَدْنَى ‏"‏ يَعْنِي‏:‏ أَقْرَبُ، ‏{‏أَلَّا تَعُولُوا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أَنْ لَا تَجُورُوا وَلَا تَمِيلُوا‏.‏

يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏عَالَ الرَّجُلُ فَهُوَ يَعُولُ عَوْلًا وَعَيَالَةً ‏"‏، إِذَا مَالَ وَجَارَ‏.‏ وَمِنْهُ‏:‏ ‏"‏عَوْلُ الْفَرَائِضِ ‏"‏، لِأَنَّ سِهَامَهَا إِذَا زَادَتْ دَخَلَهَا النَّقْصُ‏.‏

وَأَمَّا مِنَ الْحَاجَةِ، فَإِنَّمَا يُقَالُ‏:‏ ‏"‏عَالَ الرَّجُلُ عَيْلَةً ‏"‏، وَذَلِكَ إِذَا احْتَاجَ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

وَمَـا يَـدْرِي الفَقِـيرُ مَتَـى غِنَـاهُ *** وَمَـا يَـدْرِي الغَنِـيُّ مَتَـى يَعِيـلُ

بِمَعْنَى‏:‏ يَفْتَقِرُ‏.‏

وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مِنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مُسْعِدَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا‏}‏، قَالَ‏:‏ الْعَوْلُ الْمَيْلُ فِي النِّسَاءِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَا تَمِيلُوا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا‏}‏، أَنْ لَا تَمِيلُوا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثْنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ‏:‏ ‏{‏أَلَّا تَعُولُوا‏}‏ قَالَ‏:‏ أَنْ لَا تَمِيلُوا ثُمَّ قَالَ‏:‏ أَمَّا سَمِعْتَ إِلَى قَوْلِ أَبِي طَالِبٍ‏:‏

بِمِيزَانِ قِسْطٍ *** وَزْنُهُ غَيْرُ عَائِلِ

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ حُرَيْثٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏أَلَّا تَعُولُوا‏}‏، قَالَ‏:‏ أَنْ لَا تَمِيلُوا قَالَ‏:‏ وَأَنْشَدَ بَيْتًا مِنْ شِعْرٍ زَعَمَ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ قَالَهُ‏:‏

بِمـيزَانِ قِسْـطٍ لَا يُخِـسُّ شَـعِيرَةً *** وَوَازِنِ صِـدْقٍ وَزْنُـهُ غَـيْرُ عَـائِلِ

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَيُرْوَى هَذَا الْبَيْتُ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ‏:‏

بِمِـيزَانِ صِـدْقٍ لَا يُغِـلُّ شَـعِيرَةً *** لَـهُ شَـاهِدٌ مِـنْ نَفْسِـهِ غَـيْرُ عَائِلِ

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَلَّا تَعُولُوا‏}‏، قَالَ‏:‏ أَنْ لَا تَمِيلُوا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ مِثْلُهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْكُوفِيِّ قَالَ‏:‏ كَتَبَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي شَيْءٍ عَاتَبُوهُ عَلَيْهِ فِيهِ‏:‏ ‏"‏إِنِّي لَسْتُ بِمِيزَانٍ لَا أَعُولُ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَثَّامُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا‏}‏، قَالَ‏:‏ لَا تَمِيلُوا‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا‏}‏، أَدْنَى أَنْ لَا تَمِيلُوا‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَلَّا تَعُولُوا‏}‏، قَالَ‏:‏ تَمِيلُوا‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أَنْ لَا تَمِيلُوا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ تَمِيلُوا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا‏}‏، يَعْنِي‏:‏ أَنْ لَا تَمِيلُوا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ لَا تَمِيلُوا‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا حَصِينٌ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا‏}‏، قَالَ‏:‏ أَنْ لَا تَجُورُوا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، وَعَارِمٌ أَبُو النُّعْمَانِ قَالَا حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حَصِينٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ مِثْلُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يُونُسَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا‏}‏ قَالَ‏:‏ تَمِيلُوا‏.‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا‏}‏، ذَلِكَ أَقَلّ لِنَفَقَتِكَ، الْوَاحِدَةُ أَقَلُّ مِنْ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثٍ وَأَرْبَعٍ، وَجَارِيَتُكَ أَهْوَنُ نَفَقَةً مِنْ حُرَّةٍ ‏{‏أَنْ لَا تَعُولُوا‏}‏، أَهْوَنُ عَلَيْكَ فِي الْعِيَالِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَأَعْطُوا النِّسَاءَ مُهُورَهُنَّ عَطِيَّةً وَاجِبَةً، وَفَرِيضَةً لَازِمَةً‏.‏

يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏نَحَلَ فَلَانٌ فُلَانًا كَذَا فَهُوَ يَنْحَلُهُ نِحْلَةً وَنُحْلًا ‏"‏، كَمَا‏:‏ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَرِيضَةً‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ، أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً‏}‏، يَعْنِي بـ ‏"‏النَّحْلَةِ ‏"‏، الْمَهْرَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً‏}‏، قَالَ‏:‏ فَرِيضَةٌ مُسَمَّاةٌ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، سَمِعْتُ ابْنَ زَيْدٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً‏}‏، قَالَ‏:‏ ‏"‏النَّحْلَةُ ‏"‏ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، الْوَاجِبُ يَقُولُ‏:‏ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا بِشَيْءٍ وَاجِبٍ لَهَا، صَدَقَةً يُسَمِّيهَا لَهَا وَاجِبَةً، وَلَيْسَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً، بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِصَدَاقٍ وَاجِبٍ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَسْمِيَةَ الصَّدَاقِ كَذِبًا بِغَيْرِ حَقٍّ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عَنَى بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَآتَوْا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ‏"‏، أَوْلِيَاءَ النِّسَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ صَدُقَاتِهِنَّ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ، كَانَ الرَّجُلُ إِذَا زَوَّجَ أَيِّمَهُ أَخَذَ صَدَاقَهَا دُونَهَا، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، ونَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً‏}‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَوْلِيَاءِ النِّسَاءِ، بِأَنَّيُعْطِيَ الرَّجُلُ أُخْتَهُ لِرَجُلٍ، عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الْآخَرُ أُخْتُهُ، عَلَى أَنْ لَا كَثِيرَ مَهْرٍ بَيْنَهُمَا، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ زَعَمَ حَضْرَمِيٌّ أَنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُعْطِي هَذَا الرَّجُلُ أُخْتَهُ، وَيَأْخُذُ أُخْتَ الرَّجُلِ، وَلَا يَأْخُذُونَ كَثِيرَ مَهْرٍ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي ذَلِكَ، التَّأْوِيلُ الَّذِي قُلْنَاهُ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ابْتَدَأَ ذِكْرَ هَذِهِ الْآيَةِ بِخِطَابِ النَّاكِحِينَ النِّسَاءَ، وَنَهَاهُمْ عَنْ ظُلْمِهِنَّ وَالْجَوْرِ عَلَيْهِنَّ، وَعَرَّفَهُمْ سَبِيلَ النَّجَاةِ مَنْ ظُلْمِهِنَّ‏.‏ وَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ قَدْ صُرِفَ عَنْهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ‏.‏ فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ‏:‏ ‏{‏فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ‏}‏، هُمُ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ‏}‏ وَأَنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ وَآتَوْا مَنْ نَكَحْتُمْ مِنَ النِّسَاءِ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً، لِأَنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلِ ‏[‏الْآيَةِ‏]‏‏:‏ ‏{‏فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكَُمْ مِنَ النِّسَاءِ‏}‏، وَلَمْ يَقِلْ‏:‏ ‏"‏فَأَنْكَحُوا ‏"‏، فَيَكُونُ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ‏}‏، مَصْرُوفًا إِلَى أَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِهِ أَوْلِيَاءُ النِّسَاءِ دُونَ أَزْوَاجِهِنَّ‏.‏

وَهَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ أَزْوَاجَ النِّسَاءِ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ وَالْمُسَمَّى لَهُنَّ الصَّدَاقُ، أَنْ يُؤْتُوهُنَّ صَدُقَاتِهِنَّ، دُونَ الْمُطْلِقَاتِ قَبْلَ الدُّخُولِ مِمَّنْ لَمَّ يُسَمَّ لَهَا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ صَدَاقٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ طِبْنَ لَكَُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ فَإِنْ وُهِبَ لَكَُمْ، أَيُّهَا الرِّجَالُ، نِسَاؤُكُمْ شَيْئًا مِنْ صَدُقَاتِهِنَّ، طَيِّبَةً بِذَلِكَ أَنْفُسُهُنَّ، فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا، كَمَا‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ، عَنْ عِكْرِمَةَ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ طِبْنَ لَكَُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا‏}‏، قَالَ‏:‏ الْمَهْرُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ، حَدَّثَنِي حَرَمَيُّ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، ‏[‏عَنْ عُمَارَةَ‏]‏ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ طِبْنَ لَكَُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا‏}‏، قَالَ‏:‏ الصَّدُقَاتُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنِي الْحَمَانِي قَالَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ طِبْنَ لَكَُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا‏}‏ قَالَ‏:‏ الْأَزْوَاجُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ، قَالَ لِي إِبْرَاهِيمُ‏:‏ أَكَلْتَ مِنَ الْهَنِيءِ الْمَرِيءِ‏!‏ قُلْتُ‏:‏ مَا ذَاكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ امْرَأَتُكَ أَعْطَتْكَ مِنْ صَدَاقِهَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى عَلْقَمَةَ وَهُوَ يَأْكُلُ مِنْ طَعَامٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، مِنْ شَيْءٍ أَعْطَتْهُ امْرَأَتُهُ مِنْ صَدَاقِهَا أَوْ غَيْرِهِ، فَقَالَ لَهُ عَلْقَمَةُ‏:‏ ادْنُ فَكُلْ مِنَ الْهَنِيءِ الْمَرِيءِ‏!‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ طِبْنَ لَكَُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِذَا كَانَ غَيْرَ إِضْرَارٍ وَلَا خَدِيعَةٍ، فَهُوَ هَنِيءٌ مَرِيءٌ، كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ طِبْنَ لَكَُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا‏}‏، قَالَ‏:‏ الصَّدَاقُ، ‏{‏فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، سَمِعْتُ ابْنَ زَيْدٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ طِبْنَ لَكَُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا‏}‏ بَعْدَ أَنَّ تُوجِبُوهُ لَهُنَّ وتُحِلُّوهُ، ‏{‏فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ زَعَمَ حَضْرَمِيٌّ أَنَّ أُنَاسًا كَانُوا يَتَأَثَّمُونَ أَنْ يُرَاجِعَ أَحَدُهُمْ فِي شَيْءٍ مِمَّا سَاقَ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ طِبْنَ لَكَُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَإِنْ طِبْنَ لَكَُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسًا فِي غَيْرِ كَرْهٍ أَوْ هَوَانٍ، فَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ أَنْ تَأْكُلَهُ هَنِيئًا مَرِيئًا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عَنَى بِهَذَا الْقَوْلِ أَوْلِيَاءَ النِّسَاءِ، فَقِيلَ لَهُمْ‏:‏ إِنْ طَابَتْ أَنْفُسُ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي إِلَيْكُمْ عِصْمَةُ نِكَاحِهِنَّ، بِصَدُقَاتِهِنَّ نَفْسًا، فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَقَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ طِبْنَ لَكَُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ الرَّجُلُ إِذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ، عَمَدَ إِلَى صَدَاقِهَا فَأَخَذَهُ، قَالَ‏:‏ فنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَوْلِيَاءِ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ طِبْنَ لَكَُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، التَّأْوِيلُ الَّذِي قُلْنَا وَأَنَّ الْآيَةَ مُخَاطِبٌ بِهَا الْأَزْوَاجَ‏.‏ لِأَنَّ افْتِتَاحَ الْآيَةِ مُبْتَدَأٌ بِذِكْرِهِمْ، وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ طِبْنَ لَكَُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا‏}‏ فِي سِيَاقِهِ‏.‏

وَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَكَيْفَ قِيلَ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ طِبْنَ لَكَُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا‏}‏، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ فَإِنْ طَابَتْ لَكَُمْ أَنْفُسُهُنَّ بِشَيْءٍ‏؟‏ وَكَيْفَ وُحِّدَتْ ‏"‏النَّفْسُ ‏"‏، وَالْمَعْنَى لِلْجَمِيعِ‏؟‏ وَذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً‏}‏‏.‏

قِيلَ‏:‏ أَمَّا نَقْلُ فِعْلِ النُّفُوسِ إِلَى أَصْحَابِ النُّفُوسِ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْمُسْتَفِيضُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ‏.‏ مِنْ كَلَامِهَا الْمَعْرُوفِ‏:‏ ‏"‏ضِقْتُ بِهَذَا الْأَمْرِ ذِرَاعًا وَذَرْعًا ‏"‏ ‏"‏وَقَرَّرْتُ بِهَذَا الْأَمْرِ عَيْنًا ‏"‏، وَالْمَعْنَى‏!‏ ضَاقَ بِهِ ذَرْعِي، وَقَرَّتْ بِهِ عَيْنِي، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

إِذَا التَيَّـازُ ذُو العَضَـلاتِ قُلْنَـا‏:‏ *** إلَيْـكَ، إلَيْـكَ ‏"‏‏!‏ ضَـاقَ بِهـا ذِرَاعَـا

فَنَقَلَ صِفَةَ ‏"‏الذِّرَاعِ ‏"‏إِلَى ‏"‏رَبِّ الذِّرَاعِ ‏"‏، ثُمَّ أَخْرَجَ ‏"‏الذِّرَاع‏"‏ مُفَسَّرَةً لِمَوْقِعِ الْفِعْلِ‏.‏

وَكَذَلِكَ وَحَّدَ ‏"‏النَّفْسَ ‏"‏فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِنَّ طِبْنَ لَكَُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا‏}‏ إِذْ كَانَتْ ‏"‏النَّفْس‏"‏ مُفَسِّرَةً لِمَوْقِعِ الْخَبَرِ‏.‏

وَأَمَّا تَوْحِيدُ ‏"‏النَّفْسِ ‏"‏مِنَ النُّفُوسِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ ‏"‏الْهَوَى ‏"‏، وَ ‏"‏الهَوَى‏"‏ يَكُونُ جَمَاعَةً، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

بهَـا جِـيَفُ الحَسْـرَى، فَأَمَّـا عِظَامُهَا *** فَبِيـضٌ، وأمَّـا جِلْدُهَـا فَصَلِيـبُ

وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ‏:‏

فِي حَلْقِكُمْ عَظْمٌ وَقَدْ شَجِينَا ***

وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ‏:‏ جَائِزٌ فِي ‏"‏النَّفْسِ ‏"‏فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْجَمْعُ وَالتَّوْحِيدُ، ‏{‏فَإِنْ طِبْنَ لَكَُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا‏}‏ وَ‏"‏أَنْفُسًا ‏"‏، وَ‏"‏ضِقْتُ بِهِ ذِرَاعًا ‏"‏وَ‏"‏ذَرْعًا‏"‏ وَ‏"‏أَذْرُعًا ‏"‏، لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَيْكَ وَإِلَى مَنْ تُخْبِرُ عَنْهُ، فَاكْتَفَى بِالْوَاحِدِ عَنِ الْجَمْعِ لِذَلِكَ، وَلَمْ يَذْهَبْ الْوَهْمُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْنَى جَمْعٍ، لِأَنَّ قَبْلَهُ جَمْعًا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، أَنَّ ‏"‏النَّفْسَ ‏"‏ وَقَعَ مَوْقِعَ الْأَسْمَاءِ الَّتِي تَأْتِي بِلَفْظِ الْوَاحِدِ، مُؤَدِّيَةً مَعْنَاهُ إِذَا ذُكِرَ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ، وَأَنَّهُ بِمَعْنَى الْجَمْعِ عَنِ الْجَمِيعِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏هَنِيئًا ‏"‏، فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ‏:‏ ‏"‏هَنَّأَتَ الْبَعِيرَ بِالْقَطِرَانِ ‏"‏، إِذَا جَرِبَ فَعُولِجَ بِهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

مُتَبَـذِّلًا تَبْـدُو مَحَاسِـنُهُ *** يَضَـعُ الهِنَـاءَ مَـوَاضِعَ النُّقْـبِ

فَكَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ‏"‏، فَكُلُوهُ دَوَاءً شَافِيًا‏.‏

يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏هَنَّأَنِي الطَّعَامُ وَمَرَأَنِي ‏"‏، أَيْ صَارَ لِي دَوَاءً وَعِلَاجًا شَافِيًا، ‏"‏وَهَنِئَنِي وَمَرِئَنِي ‏"‏بِالْكَسْرِ، وَهِيَ قَلِيلَةٌ‏.‏ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ هَذَا الْقَوْلَ، يَقُولُونَ‏:‏ ‏"‏يَهْنَأُنِي وَيَمْرَأُنِي ‏"‏، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ‏:‏ ‏"‏هَنَأَنِي‏"‏ يَقُولُونَ‏:‏ ‏"‏يَهْنِينِي وَيِمْرِينِي ‏"‏‏.‏ فَإِذَا أَفْرَدُوا قَالُوا‏:‏ ‏"‏قَدْ أَمْرَأَنِي هَذَا الطَّعَامُ إِمْرَاءً ‏"‏‏.‏ وَيُقَالُ‏:‏ ‏"‏هَنَّأَتُ الْقَوْمَ ‏"‏ إِذَا عُلْتُهُمْ، سُمِعَ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏إِنَّمَا سَمَّيْتُ هَانِئًا لِتَهْنَأَ ‏"‏، بِمَعْنَى‏:‏ لِتَعُولَ وَتَكْفِيَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكَُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ‏"‏السُّفَهَاءِ ‏"‏ الَّذِينَ نَهَى اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَادَهُ أَنْ يُؤْتُوهُمْ أَمْوَالَهُمْ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُمُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ الْيَتَامَى وَالنِّسَاءُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ‏}‏، قَالَ‏:‏ لَا تُعْطُوا الصِّغَارَ وَالنِّسَاءَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ الْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ النِّسَاءُ وَالصِّغَارُ، وَالنِّسَاءُ أَسْفَهُ السُّفَهَاءِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ‏}‏، قَالَ‏:‏ ‏"‏السُّفَهَاءُ ‏"‏ابْنُكَ السَّفِيهُ، وَامْرَأَتُكَ السَّفِيهَةُ‏.‏ وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏(‏اتَّقُوا اللَّهَ فِي الضَّعِيفَيْنِ، الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَة‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا الْحَمَانِي قَالَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيِّ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ‏:‏ يَرُدُّهُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ قَالَ‏:‏ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ‏}‏، أَمَّا ‏"‏السُّفَهَاءُ ‏"‏، فَالْوَلَدُ وَالْمَرْأَةُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ‏}‏، يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ وَلَدَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتَهُ، وَهِيَ أَسْفَهُ السُّفَهَاءِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ‏}‏، قَالَ‏:‏ ‏"‏السُّفَهَاءُ ‏"‏ الْوَلَدُ، وَالنِّسَاءُ أَسْفَهُ السُّفَهَاءِ، فَيَكُونُوا عَلَيْكُمْ أَرْبَابًا‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ الْغِفَارِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ‏:‏ أَوْلَادُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا الْحَمَانِي قَالَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سَلَمَةَ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ‏:‏ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ‏}‏، قَالَ‏:‏ النِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي غَنِيَّةَ، عَنِ الْحَكَمِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ‏}‏، قَالَ‏:‏ النِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ‏:‏ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكَُمْ قِيَامًا‏}‏، أَمَرَ اللَّهُ بِهَذَا الْمَالِ أَنْ يُخَزَّنَ فَتُحْسَنُ خِزَانَتُهُ، وَلَا يَمْلِكُهُ الْمَرْأَةُ السَّفِيهَةُ وَالْغُلَامُ السَّفِيهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا الْحَمَانِي قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ‏:‏ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ‏}‏، قَالَ‏:‏ امْرَأَتُكَ وَبَنِيكَ وَقَالَ‏:‏ ‏"‏السُّفَهَاءُ ‏"‏، الْوِلْدَانُ، وَالنِّسَاءُ أَسْفَهُ السُّفَهَاءِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ ‏"‏السُّفَهَاءُ ‏"‏، الصِّبْيَانُ خَاصَّةً‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ‏}‏، قَالَ‏:‏ هُمُ الْيَتَامَى‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏السُّفَهَاءُ ‏"‏، الْيَتَامَى‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَا تَنْحَلُوا الصِّغَارَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عَنَى بِذَلِكَ‏:‏ السُّفَهَاءُ مِنْ وَلَدِ الرَّجُلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ‏}‏، قَالَ‏:‏ لَا تُعْطِ وَلَدَكَ السَّفِيهَ مَالَكَ فَيُفْسِدُهُ، الَّذِي هُوَ قَوَامُكَ بَعْدَ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَا تُسَلِّطِ السَّفِيهَ مِنْ وَلَدِكَ فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ‏:‏ نَزَلَ ذَلِكَ فِي السُّفَهَاءِ، وَلَيْسَ الْيَتَامَى مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ثَلَاثَةٌ يَدْعُونَ اللَّهَ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَهُمْ‏:‏ رَجُلٌ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةً سَيِّئَةَ الْخُلُقِ فَلَمْ يُطَلِّقْهَا، وَرَجُلٌ أَعْطَى مَالَهُ سَفِيهًا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ‏}‏، وَرَجُلٌ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دِينٌ فَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ‏.‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، سَمِعْتُ ابْنَ زَيْدٍ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ‏}‏ الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ لَا تُعْطِ السَّفِيهَ مِنْ وَلَدِكَ رَأْسًا وَلَا حَائِطًا، وَلَا شَيْئًا هُوَ لَكَ قِيَمًا مِنْ مَالِكَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ ‏"‏السُّفَهَاءُ‏"‏ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، النِّسَاءُ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ زَعَمَ حَضْرَمِيٌّ أَنَّ رَجُلًا عَمَدَ فَدَفَعَ مَالَهُ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَوَضَعَتْهُ فِي غَيْرِ الْحَقِّ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ‏}‏، قَالَ‏:‏ النِّسَاءُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ‏}‏، قَالَ‏:‏ هُنَّ النِّسَاءُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكَُمْ قِيَامًا‏}‏، قَالَ‏:‏ نَهَى الرِّجَالَ أَنْ يُعْطُوا النِّسَاءَ أَمْوَالَهُمْ، وَهُنَّ سُفَهَاءُمَنْ كُنَّ أَزْوَاجًا أَوْ أُمَّهَاتٍ أَوْ بَنَاتٍ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ الْمَرْأَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ‏:‏ النِّسَاءُ مِنْ أَسْفَهِ السُّفَهَاءِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ مُوَرَّقٍ قَالَ‏:‏ مَرَّتِ امْرَأَةٌ بعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لَهَا شَارَةٌ وَهَيْئَةٌ، فَقَالَ لَهَا ابْنُ عُمَرَ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكَُمْ قِيَامًا‏}‏‏.‏

وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ عِنْدَنَا، أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ‏}‏، فَلَمْ يُخَصَّصْ سَفِيهًا دُونَ سَفِيهٍ‏.‏ فَغَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ أَنْ يُؤْتِيَ سَفِيهًا مَالَهُ، صبيًّا صَغِيرًا كَانَ أَوْ رَجُلًا كَبِيرًا، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى‏.‏

وَ ‏"‏السَّفِيهُ‏"‏ الَّذِي لَا يَجُوزُ لِوَلِيِّهِ أَنْ يُؤْتِيَهُ مَالَهُ، هُوَ الْمُسْتَحِقُّ الْحَجْرَ بِتَضْيِيعِهِ مَالَهُ وَفَسَادِهِ وَإِفْسَادِهِ وَسُوءِ تَدْبِيرِهِ ذَلِكَ‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْنَا مَا قُلْنَا، مِنْ أَنَّ الْمَعْنِيَّ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ‏}‏ هُوَ مِنْ وَصَفْنَا دُونَ غَيْرِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ فِي الْآيَةِ الَّتِي تَتْلُوهَا‏:‏ ‏{‏وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ‏}‏، فَأَمَرَ أَوْلِيَاءَ الْيَتَامَى بِدَفْعِ أَمْوَالِهِمْ إِلَيْهِمْ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ وَأُونِسَ مِنْهُمُ الرُّشْدَ، وَقَدْ يَدْخُلُ فِي ‏"‏الْيَتَامَى‏"‏ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ، فَلَمْ يُخَصِّصْ بِالْأَمْرِ بِدَفْعِ مَا لَهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ، الذُّكُورَ دُونَ الْإِنَاثِ، وَلَا الْإِنَاثَ دُونَ الذُّكُورِ‏.‏

وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِينَ أُمِرَ أَوْلِيَاؤُهُمْ بِدَفْعِهِمْ أَمْوَالَهُمْ، إِلَيْهِمْ، وَأُجِيزَ لِلْمُسْلِمِينَ مُبَايَعَتَهُمْ وَمُعَامَلَتَهُمْ، غَيْرَ الَّذِينَ أُمِرَ أَوْلِيَاؤُهُمْ بِمَنْعِهِمْ أَمْوَالَهُمْ، وَحُظِرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مُدَايَنَتُهُمْ وَمُعَامَلَتُهُمْ‏.‏

فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَبَيِّنٌ أَنَّ ‏"‏السُّفَهَاءَ ‏"‏ الَّذِينَ نَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُؤْتُوهُمْ أَمْوَالَهُمْ، هُمُ الْمُسْتَحِقُّونَ الْحَجْرَ وَالْمُسْتَوْجَبُونَ أَنْ يُوَلَّى عَلَيْهِمْ أَمْوَالُهُمْ، وَهُمْ مَنْ وَصَفْنَا صِفَتَهُمْ قَبْلُ، وَأَنَّ مَنْ عَدَّا ذَلِكَ فَغَيْرُ سَفِيهٍ، لِأَنَّالْحَجْرَ لَا يَسْتَحِقُّهُ مَنْ قَدْ بَلَغَ وَأُونِسَ رُشْدُهُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ ‏"‏عَنَى بِالسُّفَهَاءِ النِّسَاءَ خَاصَّةً ‏"‏، فَإِنَّهُ جَعَلَ اللُّغَةَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ لَا تَكَادُ تَجْمَعُ ‏"‏فَعِيلًا ‏"‏عَلَى ‏"‏فُعَلَاء‏"‏ إِلَّا فِي جَمْعِ الذُّكُورِ، أَوْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ‏.‏ وَأَمَّا إِذَا أَرَادُوا جَمْعَ الْإِنَاثِ خَاصَّةً لَا ذُكْرَانَ مَعَهُمْ، جَمَعُوهُ عَلَى‏:‏ ‏"‏فَعَائِلَ ‏"‏وَ‏"‏فَعِيلَاتٍ ‏"‏، مِثْلَ‏:‏ ‏"‏غَرِيبَةٍ ‏"‏، تُجْمَعُ ‏"‏غَرَائِب‏"‏ وَ‏"‏غَرِيبَاتٍ‏"‏، فَأَمَّا ‏"‏الْغُرَبَاءُ‏"‏، فَجَمْعُ ‏"‏غَرِيبٍ‏"‏‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَمْوَالَكَُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكَُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ‏}‏، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ عَنَى بِذَلِكَ‏:‏ لَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ اخْتِلَافِ مَنْ حَكَيْنَا قَوْلَهُ قَبْلُ أَيُّهَا الرُّشَدَاءُ، أَمْوَالَكُمُ الَّتِي تُمَلِّكُونَهَا، فَتُسَلِّطُوهُمْ عَلَيْهَا فَيُفْسِدُوهَا وَيُضَيِّعُوهَا، وَلَكَِنْ ارْزُقُوهُمْ أَنْتُمْ مِنْهَا إِنْ كَانُوا مِمَّنْ تَلْزَمُكُمْ نَفَقَتُهُ، وَاكْسُوهُمْ، وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا‏.‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ، مِنْهُمْ‏:‏ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ، وَمُجَاهِدٌ، وقَتَادَةُ، وَحَضْرَمِيٌّ، وَسَنَذْكُرُ قَوْلَ الْآخَرِينَ الَّذِينَ لَمْ يُذْكَرْ قَوْلُهُمْ فِيمَا مَضَى قَبْلُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكَُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَا تُعْطِ امْرَأَتَكَ وَوَلَدَكَ مَالَكَ، فَيَكُونُوا هُمُ الَّذِينَ يَقُومُونَ عَلَيْكَ، وَأَطْعَمَهُمْ مِنْ مَالِكَ وَاكْسُهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكَُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَا تُسَلِّطِ السَّفِيهَ مِنْ وَلَدِكَ عَلَى مَالِكَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْزُقَهُ مِنْهُ وَيَكْسُوَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ‏}‏، قَالَ‏:‏ لَا تُعْطِ السَّفِيهَ مِنْ مَالِكَ شَيْئًا هُوَ لَكَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ ‏"‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَهُمْ ‏"‏، وَلَكَِنَّهُ أُضِيفَ إِلَى الْوُلَاةِ، لِأَنَّهُمْ قُوَّامُهَا وَمُدَبِّرُوهَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَلَا ‏{‏تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ‏}‏، ‏[‏هُوَ مَالُ الْيَتِيمِ يَكُونُ عِنْدَكَ، يَقُولُ‏:‏ لَا تُؤْتِهِ إِيَّاهُ، وَأَنْفِقْهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ‏.‏ وَإِنَّمَا أَضَافَ إِلَى الْأَوْلِيَاءِ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏أَمْوَالَكُمْ ‏"‏، لِأَنَّهُمْ قُوَّامُهَا وَمُدَبِّرُوهَا‏]‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَقَدْ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ‏}‏، أَمْوَالُ الْمَنْهِيِّينَ عَنْ أَنْ يُؤْتُوهُمْ ذَلِكَ، وَأَمْوَالُ ‏"‏السُّفَهَاءِ ‏"‏‏.‏ لِأَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏"‏أَمْوَالَكُمْ ‏"‏ غَيْرُ مَخْصُوصٍ مِنْهَا بَعْضَ الْأَمْوَالِ دُونَ بَعْضٍ‏.‏ وَلَا تَمْنَعُ الْعَرَبُ أَنْ تُخَاطِبَ قَوْمًا خِطَابًا، فَيَخْرُجُ الْكَلَامُ بَعْضُهُ خَبَرٌ عَنْهُمْ، وَبَعْضُهُ عَنْ غَيْبٍ، وَذَلِكَ نَحْوَ أَنْ يَقُولُوا‏:‏ ‏"‏أَكَلْتُمْ يَا فُلَانُ أَمْوَالَكَُمْ بِالْبَاطِلِ ‏"‏، فَيُخَاطِبُ الْوَاحِدَ خِطَابَ الْجَمْعِ، بِمَعْنَى‏:‏ أَنَّكَ وَأَصْحَابَكَ أَوْ وَقَوْمَكَ أَكَلْتُمْ أَمْوَالَكَُمْ‏.‏ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ‏}‏، مَعْنَاهُ‏:‏ لَا تُؤْتُوا أَيُّهَا النَّاسُ، سُفَهَاءَكُمْ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي بَعْضَهَا لَكَُمْ وَبَعْضَهَا لَهُمْ، فَيُضَيِّعُوهَا‏.‏

وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ عَمَّ بِالنَّهْيِ عَنْ إِيتَاءِ السُّفَهَاءِ الْأَمْوَالَ كُلَّهَا، وَلَمْ يُخَصِّصْ مِنْهَا شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ، كَانَ بَيِّنًا بِذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكَُمْ قِيَامًا‏}‏، إِنَّمَا هُوَ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكَُمْ وَلَهُمْ قِيَامًا، وَلَكَِنَّ السُّفَهَاءَ دَخَلَ ذِكْرُهُمْ فِي ذِكْرِ الْمُخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏لَكَُمْ ‏"‏‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكَُمْ قِيَامًا‏}‏، فَإِنَّ ‏"‏قِيَامًا ‏"‏وَ‏"‏قِيَمًا‏"‏ وَ‏"‏قِوَامًا ‏"‏فِي مَعْنًى وَاحِدٍ‏.‏ وَإِنَّمَا ‏"‏الْقِيَام‏"‏ أَصْلُهُ ‏"‏الْقَوَامُ ‏"‏، غَيْرَ أَنَّ ‏"‏الْقَافَ ‏"‏الَّتِي قَبْلَ ‏"‏الْوَاو‏"‏ لَمَّا كَانَتْ مَكْسُورَةً، جَعَلَتِ ‏"‏الْوَاوَ ‏"‏‏"‏يَاء‏"‏ لِكَسْرَةِ مَا قَبْلَهَا، كَمَا يُقَالُ‏:‏ ‏"‏صُمْتُ صِيَامًا ‏"‏، ‏"‏وَصُلْتُ صِيَالًا‏"‏، وَيُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏فُلَانٌ قَوَامُ أَهْلِ بَيْتِهِ‏"‏ وَ‏"‏قِيَامُ أَهْلِ بَيْتِهِ‏"‏‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ‏.‏

فَقَرَأَ بَعْضُهُمْ‏:‏ ‏{‏الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكَُمْ قِيَمًا‏}‏ بِكَسْرِ ‏"‏الْقَافِ ‏"‏وَفَتْحِ ‏"‏الْيَاء‏"‏ بِغَيْرِ ‏"‏أَلِفٍ ‏"‏‏.‏

وَقَرَأَهُ آخَرُونَ‏:‏ ‏"‏قِيَامًا ‏"‏ بِأَلِفٍ‏.‏

قَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي نَخْتَارُهَا‏:‏ ‏"‏قِيَامًا ‏"‏ بِالْأَلِفِ، لِأَنَّهَا الْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ فِي قِرَاءَةِ أَمْصَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَتِ الْأُخْرَى غَيْرَ خَطَأٍ وَلَا فَاسِدٍ‏.‏ وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا مَا اخْتَرْنَا مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْقِرَاءَاتِ إِذَا اخْتَلَفَتْ فِي الْأَلِفَاظِ وَاتَّفَقَتْ فِي الْمَعَانِي، فَأَعْجَبُهَا إِلَيْنَا مَا كَانَ أَظْهَرَ وَأَشْهَرَ فِي قَرَأَةِ أَمْصَارِ الْإِسْلَامِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏قِيَامًا ‏"‏ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ‏:‏ ‏{‏أَمْوَالَكَُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكَُمْ قِيَامًا‏}‏، الَّتِي هِيَ قَوَامُكَ بَعْدَ اللَّهِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏أَمْوَالَكَُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكَُمْ قِيَامًا‏}‏، فَإِنَّ الْمَالَ هُوَ قِيَامُ النَّاسِ، قِوَامُ مَعَايِشِهِمْ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ كُنْ أَنْتَ قَيِّمَ أَهْلِكَ، فَلَا تُعْطِ امْرَأَتَكَ ‏[‏وَوَلَدَكَ‏]‏ مَالَكَ، فَيَكُونُوا هُمُ الَّذِينَ يَقُومُونَ عَلَيْكَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكَُمْ قِيَامًا‏}‏ يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ‏:‏ لَا تَعْمِدْ إِلَى مَالِكَ وَمَا خَوَّلَكَ اللَّهُ وَجَعَلَهُ لَكَ مَعِيشَةً، فَتُعْطِيهِ امْرَأَتَكَ أَوْ بَنِيكَ، ثُمَّ تُنْظَرُ إِلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ‏.‏ وَلَكَِنْ أَمْسِكْ مَالَكَ وَأَصْلِحْهُ، وَكُنْ أَنْتَ الَّذِي تُنْفِقُ عَلَيْهِمْ فِي كُسْوَتِهِمْ وَرِزْقِهِمْ وَمَؤُونَتِهِمْ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ قِيَامًا‏"‏، بِمَعْنَى‏:‏ قَوَامُكُمْ فِي مَعَايِشِكُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الْحَسَنِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏قِيَامًا‏"‏ قَالَ‏:‏ قِيَامُ عَيْشِكَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ شَرْوَدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكَُمْ قِيَامًا‏}‏، بِالْأَلِفِ، يَقُولُ‏:‏ قِيَامُ عَيْشِكَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَمْوَالَكَُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكَُمْ قِيَامًا‏}‏، قَالَ‏:‏ لَا تُعْطِ السَّفِيهَ مِنْ وَلَدِكَ شَيْئًا، هُوَ لَكَ قَيِّمٌ مِنْ مَالِكَ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ‏}‏، فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ‏.‏

فَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا‏:‏ إِنَّمَا عَنَى اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ‏}‏، ‏[‏أَمْوَالَ‏]‏ أَوْلِيَاءِ السُّفَهَاءِ، لَا أَمْوَالَ السُّفَهَاءِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ ‏"‏مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَارْزُقُوا، أَيُّهَا النَّاسُ، سُفَهَاءَكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ، مِنْ أَمْوَالِكُمْ طَعَامَهُمْ، وَمَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ مِنْ مُؤَنِهِمْ وَكُسْوَتِهِمْ‏"‏‏.‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَ قَائِلِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى، وَسَنَذْكُرُ مَنْ لَمْ يُذْكَرْ مِنْ قَائِلِيهِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ أُمِرُوا أَنْ يَرْزُقُوا سُفَهَاءَهُمْ- مِنْ أَزْوَاجِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ وَبَنَاتِهِمْ- مِنْ أَمْوَالِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ وَارْزُقُوهُمْ ‏"‏، قَالَ، يَقُولُ‏:‏ أَنْفِقُوا عَلَيْهِمْ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أَطْعِمْهُمْ مِنْ مَالِكَ وَاكْسُهُمْ‏.‏

وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا‏:‏ ‏"‏إِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ‏}‏، أَمْوَالَ السُّفَهَاءِ أَنْ لَا يُؤْتِيهُمُوهَا أَوْلِيَاؤُهُمْ ‏"‏، فَإِنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ ‏"‏مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ‏}‏، وَارْزُقُوا، أَيُّهَا الْوُلَاةُ وُلَاةَ أَمْوَالِ السُّفَهَاءِ، سُفَهَاءَكُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، طَعَامَهُمْ وَمَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ مُؤَنِهِمْ وَكُسْوَتِهِمْ‏.‏ وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ ذَلِكَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَمَّا الَّذِي نَرَاهُ صَوَابًا فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ‏}‏ مِنَ التَّأْوِيلِ، فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَدَلَّلْنَا عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ‏.‏

فَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ‏}‏، عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكَُمُ‏}‏ وَأَنْفَقُوا عَلَى سُفَهَائِكُمْ مِنْ أَوْلَادِكُمْ وَنِسَائِكُمُ الَّذِينَ تَجِبُ عَلَيْكُمْ نَفَقَتُهُمْ مِنْ طَعَامِهِمْ وَكُسْوَتِهِمْ فِي أَمْوَالِكُمْ، وَلَا تُسَلِّطُوهُمْ عَلَى أَمْوَالِكُمْ فَيُهْلِكُوهَا وَعَلَى سُفَهَائِكُمْ مِنْهُمْ، مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْكُمْ نَفَقَتُهُ، وَمِنْ غَيْرِهِمُ الَّذِينَ تَلُونَ أَنْتُمْ أُمُورَهُمْ، مِنْ أَمْوَالِهِمْ فِيمَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ مُؤَنِهِمْ فِي طَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ وَكُسْوَتِهِمْ‏.‏ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ مِنَ الْحُكْمِ فِي قَوْلِ جَمِيعِ الْحُجَّةِ، لَا خِلَافَ بَيْنَِهِمْ فِي ذَلِكَ، مَعَ دَلَالَةِ ظَاهِرِ التَّنْـزِيلِ عَلَى مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ‏:‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ عِدْهُمْ عِدَةً جَمِيلَةً مِنَ الْبَرِّ وَالصِّلَةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا‏}‏، قَالَ‏:‏ أُمِرُوا أَنْ يَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا فِي الْبَرِّ وَالصِّلَةِ يَعْنِي النِّسَاءَ، وَهُنَّ السُّفَهَاءُ عِنْدَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا‏}‏، قَالَ‏:‏ عِدَةً تَعِدُهُمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ ادْعُوَا لَهُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا‏}‏، إِنْ كَانَ لَيْسَ مِنْ وَلَدِكَ وَلَا مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْكَ أَنَّ تُنْفِقَ عَلَيْهِ، فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا، قُلْ لَهُمْ‏:‏ ‏"‏عَافَانَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ ‏"‏، ‏"‏وَبَارَكَ اللَّهُ فِيكَ ‏"‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ، مَا قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ‏.‏ وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا‏}‏، أَيْ‏:‏ قُولُوا، يَا مَعْشَرَ وُلَاةِ السُّفَهَاءِ، قَوْلًا مَعْرُوفًا لِلسُّفَهَاءِ‏:‏ ‏"‏إِنْ صَلَحْتُمْ وَرَشَدْتُمْ سَلَّمْنَا إِلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ، وَخَلَّيْنَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي أَنْفُسِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ‏"‏، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي فِيهِ حَثٌّ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَنَهْيٌ عَنْ مَعْصِيَتِهِ‏.‏